تعرف الثقوب السوداء بأنها وحوش فضائية عملاقة تقوم بابتلاع كل الأجرام الموجودة حولها بما في ذلك النجوم والكواكب، فحتى الضوء بسرعته الهائلة لا يستطيع أن يفلت من ثقب أسود شديد الجاذبية؛ لذلك تبدو هذه الثقوب حالكة السواد. لكن على ما يبدو لا تتبع الثقوب السوداء جميعها النهج ذاته، فقد اكتشف العلماء أن لبعضها القدرة على توليد النجوم!
غاز متدفق من ثقب أسود يتسبب في ولادة نجمية
يُشير بحث جديد أُجري باستخدام تلسكوب هابل الفضائي إلى أن الثقوب السوداء لا تتبع جميعها نهجاً تدميرياً بالضرورة. إذ نشر علماء من جامعة ولاية مونتانا مقالاً في مجلة Nature في يناير/كانون الثاني 2022 أشاروا فيه إلى اكتشافهم ولادة نجم في مجرة الانفجار النجمي القزمة هينيز 2-10، وقالوا إن الثقب الأسود في مركز تلك المجرة هو في الواقع المسؤول عن ولادته.
وكتب القائمون على الدراسة: "نستنتج أن الغاز المتدفق من هذا الثقب الأسود تسبب في هذه الولادة النجمية". وقالت إيمي رين، الباحثة في جامعة فيرجينيا وأحد القائمين على الدراسة، لوكالة ناسا: "قبل عشر سنوات، حين كنت طالبة دراسات عليا أفكر أنني سأقضي مسيرتي المهنية في دراسة تكوين النجوم، راجعت بيانات هينز 2-10 وتغير كل شيء. كنت أعلم منذ البداية أن شيئاً استثنائياً ومميزاً كان يحدث".
وقالت إيمي لوكالة ناسا إنها تتوقع إجراء المزيد من الأبحاث عن الثقوب السوداء في المجرة القزمة في المستقبل، والاستعانة بها لتحسين فهم كيفية ظهور الثقوب السوداء عظيمة الكتلة. ومن المدهش أن ثقباً أسودَ استثنائياً ولّاداً يتمرد على السلوك الذي "يُفترض" أن تتبعه الثقوب السوداء، وذلك قد يساعد العلماء في الواقع على فهم أقدم ألغاز المجرة.
معلومات حول المجرة القزمة هينيز 2-10 التي حدثت فيها الولادة النجمية
هينيز 2-10 هي مجرة قزمة نجمية (مجرة تتكون فيها النجوم بمعدل عالٍ وبشكل استثنائي) وتحتوي هذه المجرة على ثقب أسود هائل مركزي، وفقًا للدراسة. وتقع المجرة القزمة التي ساهم فيها الثقب الأسود بولادة نجمية على بعد 30 مليون سنة ضوئية من الأرض.
وقد أطلقت مجرة هينبز جدلاً بين علماء الفلك، قبل عقد من الزمن، حول ما إذا كانت المجرات القزمة تحتوي على ثقوب سوداء مماثلة لتلك الموجودة في المجرات الأكبر. وعلى ما يبدو، فإن الثقب الأسود الموجود في مجرة هينيز 2-10 القزمية ساهم في العاصفة النارية التي تتسبب في ولادة النجوم الجديدة في المجرة.
حل لغز أصل الثقوب السوداء
وفقاً لناسا، فإن مجرة هينيز 2-10 التي تحتوي على عُشر عدد النجوم الموجودة في مجرتنا درب التبانة، يمكنها أن تلعب دوراً رئيسياً في حل لغز مصدر الثقوب السوداء الهائلة. وتقدم هذه المجرة فرصة لتحديد ما إذا كان هناك دليل على أن وجود الثقوب السوداء يؤثر على تكوين النجوم.
وتقول الدراسة إن هناك خيطاً ضوئياً طوله 150 فرسخاً فلكياً (489.235 سنة ضوئية) يربط منطقة الثقب الأسود بموقع تشكّل النجم الوليد، وهذا الخيط عبارة عن تدفق غازي يمتد عبر الفضاء ما بين الثقب الأسود والنجم، وقد شبَّهه العلماء بالحبل السري. ويقدم تلسكوب هابل الفضائي صورة واضحة جداً للعلاقة بين الثقب الأسود ومنطقة تشكل النجوم المجاورة الواقعة على بعد 230 سنة ضوئية من الثقب الأسود.
أظهر التحليل الطيفي لهابل أيضاً، أن الغاز المتدفق الخارج من الثقب الأسود كان يتحرك بسرعة تقدر بحوالي مليون ميل في الساعة. ولاحظ العلماء كذلك انتشار مجموعات النجوم حديثة الولادة في مسار انتشار ذلك التدفق الغازي. كل هذه البيانات قد تساعد العلماء على فهم أصل الثقوب السوداء وعلاقتها بتشكل النجوم حديثة الولادة.