التقط مسبار "باركر" الشمسي، التابع لوكالة الفضاء والطيران الأمريكية "ناسا" صوراً مذهلة تكشف أول لمحة ضوءٍ مرئي من سطح كوكب الزهرة الأحمر الساخن. إذ أظهرت الصور قارات، وسهول، وهضاب هذا العالم البركاني غير المضياف، طبقاً لما أورده موقع أمريكي.
حيث رصد علماء ناسا مجموعةً من السمات الجيولوجية المضيئة وسط الوهج الخافت لسطح الزهرة في المساء، إلى جانب هالةٍ ضوئية من الأوكسجين في الغلاف الجوي للكوكب، وذلك عن طريق إمعان النظر أسفل غيوم الزهرة السميكة والسامة باستخدام جهاز تصوير المجال الواسع لمسبار باركر الشمسي (ويسبر). فيما سيحصل العلماء على معلومات قيمة حول جيولوجيا ومعادن الكوكب الحارق بفضل هذه الصور الأولى من نوعها، التي التُقِطَت إبان التحليق الرابع لمسبار باركر بجوار الزهرة في طريقه إلى الشمس.
ناسا: سطح كوكب الزهرة من الفضاء
كوكب غير صالحٍ للحياة
هذه الصور الجديدة ربما تكشف المزيد عن الكيفية التي أصبح بها كوكب الزهرة غير صالحٍ للحياة، بينما ازدهرت الحياة على كوكب الأرض. في حين نشر علماء ناسا تحليلهم للصور في التاسع من فبراير/شباط بدورية Geophysical Research Letters العلمية.
من جهته، قال مؤلف الدراسة الرئيسي برايان وود، وهو عالم فيزياء في معمل أبحاث البحرية الأمريكية بواشنطن: "يعتبر كوكب الزهرة هو ثالث أكثر الأشياء لمعاناً في السماء، ولكن لم تكن لدينا الكثير من المعلومات عن شكل سطح حتى وقتٍ قريب. ويرجع السبب في ذلك إلى الغلاف الجوي السميك الذي يحجب رؤيتنا لسطح الكوكب. أما الآن، فقد بدأنا نرى السطح بأطوالٍ موجية مرئية من الفضاء للمرة الأولى".
يُذكر أنه سبق تصوير سطح الزهرة من قبل، ولكنها المرة الأولى التي تُلتقط الصور خلالها في ضوءٍ مرئي للعين البشرية. ويرجع سبب ذلك إلى كون الكوكب محاطاً بغلافٍ سميك وسام من حمض الكبريتيك وثاني أكسيد الكربون، مما يحجب غالبية الضوء. بينما لم يُصمم جهاز ويسبر بغرض تصوير كوكب الزهرة على الإطلاق- بل بُني لدراسة الغلاف الجوي للشمس والرياح الشمسية. لكن حساسية الجهاز مكنته من التقاط الوهج الخافت للضوء الأحمر المنبعث من الكوكب. إذ يغرق هذا الضوء الأحمر وسط ضوء الشمس المنعكس عن غيوم الزهرة في النهار، لكن التحليق الليلي مكان المسبار من التقاط وهج الكوكب وتصوير السمات الجغرافية المذهلة على سطحه.
درجة حرارة سطح الزهرة
كما تمكَّن العلماء من تقدير درجة حرارة سطح الزهرة بفضل رصد ويسبر للأطوال الموجية بين طيفي الأشعة المرئية وتحت الحمراء. ولا عجب أنهم وجدوا الكوكب ساخناً بدرجة حرارة تبلغ 462 درجة مئوية، مما يجعل الكوكب الغارق في الحمم البركانية أكثر كواكب نظامنا الشمسي سخونة -حتى في المساء.
إذ قالت وود: "تصل درجة حرارة سطح الزهرة إلى 460 درجة مئوية، حتى في وقت المساء. وسطح الكوكب ساخن، لدرجة أن السطح الصغري للزهرة يتوهج بشكلٍ مرئيٍ للعيان، وكأنه قطعة حديد تم إخراجها للتو من فرن صهر المعادن". فيما سيجري تحليل الصور الجديدة إلى جانب الصور القديم للزهرة حتى تساعد العلماء على فهم الكيفية التي أصبح بها الكوكب غير صالحٍ للحياة. ولا يعرف العلماء ما إن كان كوكب الزهرة قاحلاً بهذه الدرجة دائماً مثل حاله في يومنا هذا.
إلا أن أبحاثاً سابقة أشارت إلى احتمالية استضافة كوكب الزهرة للمياه- وربما الحياة- في السابق، قبل أن يخنقه ضباب جهنمي من الغازات الدفيئة. كان علماء الفلك قد اكتشفوا في عام 2020، غازاً يسمى "الفوسفين" داخل طبقة من الغيوم على كوكب الزهرة لم يتم العثور عليه من قبل، وقيل حينها إن هذا الأمر ربما يشير لإمكانية وجود حياة على الكوكب.
يشار إلى أن "ناسا" كانت قد أطلقت بنجاح، خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، إلى الفضاء مسبار "باركر" الشمسي، من أجل الوصول إلى أقرب نقطة للشمس يصل إليها الإنسان، لدراستها والتعرف على خصائصها، في مهمة تمتد 7 سنوات. فيما تم تصميم المسبار بحجم سيارة بتكلفة 1.5 مليار دولار، وتم تجهيزه بدروع خاصة لتحمل درجات الحرارة المرتفعة في المجال الجوي الشمسي من أجل فهم كل التفاصيل حول ارتفاع درجة حرارة المجال الشمسي عن الشمس نفسها. كذلك يدور المسبار الذي يبلغ وزنه 700 كيلوجرام حول الشمس في طريق بيضاوي، ويصل إلى سرعة نحو 200 كيلومتر في الثانية.