عقب أحداث الثورة الفرنسية التي أطاحت بحكم لويس السادس عشر وأسفرت عن اندلاع حروب الثورة الفرنسية بالقارة الأوروبية بداية من نيسان/أبريل 1792، وجدت الولايات المتحدة الأميركية، التي مضت بضع سنوات على استقلالها، نفسها بموقف صعب حيث مثلت الأخيرة دولة محايدة بهذا الصراع وعانت بالآن ذاته من تبعات الثورة الفرنسية وتأثيراتها على الاقتصاد والتجارة العالمية. وفي خضم هذه الأحداث العالمية، انقسمت الولايات المتحدة الأميركية بين الديمقراطيين الجمهوريين والفيدراليين. فبينما أيد توماس جيفرسون والديمقراطيون الجمهوريون التقرب من فرنسا، فضّل الفيدراليون بقيادة ألكسندر هاميلتون التحالف مع البريطانيين وعقد اتفاقيات تجارية معهم.
خلافات أميركية بريطانية
إلى ذلك، فضلت بريطانيا عقد مفاهمة مع الأميركيين بهدف إبعادهم عن الفرنسيين. فمنذ العام 1793، لم تتردد بريطانيا في دخول حروب الثورة الفرنسية لتنظم بذلك للتحالف الذي كان قد تشكل لمواجهة الثوريين الفرنسيين ومنع انتشار التيار الثوري نحو العواصم الأوروبية الأخرى. وانطلاقا من ذلك، اتجهت بريطانيا لاعتماد سياسة المواجهة مع الأميركيين بهدف فرض شروطها عند إبرام أية مفاهمة. وعملا بذلك، لم تتردد البحرية البريطانية في خطف واحتجاز ما يزيد عن 300 سفينة تجارية أميركية كانت قد تاجرت مع الفرنسيين بالكاريبي، كما عمدت في الآن ذاته لتقديم دعم عسكري ولوجيستي هام للسكان الأصليين بهدف منع الأميركيين من التوسع بأراضي أوهايو.
وأملا في التصدي للبريطانيين، اقترح توماس جيفرسون، رفقة تحالف من الديمقراطيين الجمهوريين، إعلان الحرب على بريطانيا. وفي الأثناء، عارض حليفه جيمس ماديسون (James Madison) فكرة الحرب وعرض بدلا من ذلك فرض حظر تجاري على السلع البريطانية. وبالكونغرس، أيد مجلس النواب فكرة الحظر التجاري على بريطانيا. وبمجلس الشيوخ، مارس نائب الرئيس جون أدامز (John Adams) نفوذه ليسقط هذا الإقتراح. بهذا النزاع القائم حول بريطانيا، اصطف الرئيس الأميركي جورج واشنطن مع ألكسندر هاميلتون والفيدراليين. وانطلاقا من ذلك، أرسل جورج واشنطن رئيس المحكمة العليا جون جاي (John Jay) للندن لمناقشة معاهدة مع الجانب البريطاني بهدف وضع حد للخلافات التي لم تحل بمعاهدة باريس سنة 1783.
معاهدة جاي
عقب مفاوضاته مع الجانب البريطاني، توصل جون جاي لمعاهدة أبرمت بين الأميركيين والبريطانيين يوم 19 تشرين الثاني/نوفمبر 1794. وبموجب هذه المعاهدة، تعهدت بريطانيا بدفع مبلغ 11.6 مليون دولار للأميركيين كتعويض عن السفن التجارية، وبضاعتها، التي قامت بحجزها بالكاريبي. وفي المقابل، وافقت الولايات المتحدة الأميركية على دفع مبلغ 600 ألف جنيه إسترليني لسداد عدد من الديون السابقة تجاه لندن.
من جهة أخرى، وافق البريطانيون على إخلاء الحصون التي ظلت تحت سيطرتهم بالأراضي الأميركية والموجودة أساسا عند منطقة البحيرات الكبرى وبحيرة شامبلان. ومن الناحية التجارية، حصل تجار كلا البلدين على امتيازات هامة استثنى منها التجار الأميركيون الذين تاجروا بالكاريبي.
وعلى الرغم من منحها لبعض الحقوق للسكان الأصليين حول التنقل بين الأراضي الأميركية والكندية، التي كانت تحت سيطرة البريطانيين، أثارت معاهدة جاي للعام 1794 غضب سكان الجنوب الأميركي بسبب عدم تطرقها لمسألة العبيد الفارين من الأراضي الأميركية. أيضا، لم تحسم هذه المعاهدة مسألة قيام البريطانيين بخطف المواطنين الأميركيين بهدف إجبارهم على العمل بجيشها. وبحلول العام 1812، تسببت هذه القضية الأخيرة بأزمة أسفرت عن اندلاع الحرب بين البلدين.