يوم 15 حزيران/يونيو 1888، توفي الإمبراطور الألماني فريدريك الثالث (Frederick III) عن عمر ناهز 56 عاما عقب إصابته بسرطان الحنجرة، وعلى إثر ذلك، تولى ابنه فيلهلم الثاني (Wilhelm II) منصب الإمبراطور لتدخل بذلك الإمبراطورية الألمانية عصرا جديدا تميز ببداية التوسع الاستعماري. ومنذ توليه لزمام الأمور، اتجه فيلهلم الثاني للقطع مع السياسة الماضية وعمد بناء على ذلك لإنهاء مهام المستشار أوتو فون بسمارك (Otto von Bismarck). فضلا عن ذلك، دخلت الإمبراطورية الألمانية في سباق تسلح بحري مع البريطانيين لتشهد بذلك القارة الأوروبية تزايدا في حدة التوتر بين برلين ولندن. وخلال العام 1908، شهدت العلاقات بين الدولتين تدهوا غير مسبوق. ويعود السبب في ذلك لتصريح للإمبراطور فيلهلم الثاني ضمن لقاء صحفي نقلته الدايلي تلغراف. وقد جاء هذا التقرير بالتلغراف حينها ليؤجج النزاع الألماني البريطاني قبل 6 سنوات من اندلاع الحرب العالمية الأولى.
تصريحات أساءت للبريطانيين
يوم 28 تشرين الأول/أكتوبر 1908، عرضت صحيفة التلغراف البريطانية ما برز كلقاء صحفي أجري مع الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني. وفي الأثناء، كان التقرير عبارة عن مجموعة من الملاحظات التي دونها الضابط بالجيش البريطاني مونتاجو ستيوارت ورتلي (Montagu-Stuart-Wortley) خلال محادثات أجراها مع الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني بوقت سابق من العام 1907. إلى ذلك، أرسلت التلغراف محتوى المقابلة والتقرير للإمبراطور فيلهلم الثاني للموافقة عليه. ومع تلقيه للتقرير، تجاهل فيلهلم الثاني المحتوى واتجه لإرساله للمستشار برنهارد فون بولو (Bernhard von Bülow) الذي تجاهله بدوره ورفض تدقيقه مؤكدا على انشغاله بمهام أخرى. لاحقا، مرر فون بولو محتوى وثيقة المقابلة لوزارة الخارجية الألمانية التي لم تقم بدورها بالتدقيق فيه.
وبهذا التقرير الذي نشر، شبه الإمبراطور الألماني الشعب الإنجليزي بأرانب شهر آذار/مارس الغاضبة أثناء فترة التزاوج. وعادة، تستخدم هذه العبارات من قبل الإنجليز للحديث عن شخص يتصرف بغرابة وطريقة غير متوقعة. فضلا عن ذلك، مجّد فيلهلم الثاني نفسه وعدد خصاله مؤكدا على قيام الإنجليز بتشويه صورته ضمن ما وصفه بعمل عدائي وغير مقبول. من جهة ثانية، روج فيلهلم الثاني لفكرة الصداقة الألمانية البريطانية وأساء للفرنسيين والروس واليابانيين كما أكد على عدم وجود عداء بين بلاده والإنجليز وتحدث عن تحريض الروس والفرنسيين للألمان للتدخل ضد بريطانيا بحرب البوير الثانية.
تأثيرات التقرير بألمانيا
أثارت هذه التصريحات غضب السلطات البريطانية التي وصفت فيلهلم الثاني بالمضطرب نفسيا وأكدت على عداء ألمانيا لبريطانيا. وبألمانيا، تسبب هذا التقرير في صدمة لفيلهلم الثاني الذي عانى من الإكتئاب وفقد جانبا من تأثيره السياسي على الساحة الخارجية والداخلية. من جهة ثانية، أدى تقرير التلغراف لإحراج الإمبراطور الألماني الذي تعالت بألمانيا أصوات ضده طالبته بالتنازل عن العرش. وبالرايخستاغ (Reichstag)، واجه فيلهلم الثاني انتقادات لاذعة من النواب الذي شككوا في قدراته الدبلوماسية. لاحقا، اختفى فيلهلم الثاني عن الساحة السياسية لأشهر. وبحلول العام 1909، انتقم الأخير من المستشار فون بولو، الذي اتهمه بالتقصير بمهامه وعدم الوقوف لجانبه بهذه الأزمة، وأجبره على الاستقالة من منصبه.
ننن