استؤنفت حركة الملاحة بشكل محدود على جسر القرم مساء أمس السبت بعد تعرضه لانفجار عنيف أسفر عن أضرار بالغة، وتبادلت روسيا وأوكرانيا الاتهامات، ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوماً يقضي بتشديد الإجراءات الأمنية للجسر، في حين ترك نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينكسي الأمر مفتوحاً فيما يتعلق بضلوع كييف بالهجوم.

وعلى الرغم من الضرر الذي لحق بالجسر، أكدت التقارير، أن حركة مرور السيارات استؤنفت بشكل محدود بعد نحو 10 ساعات من الانفجار، وسمحت وزارة النقل باستئناف حركة السكك الحديدية بعد ذلك بوقت قصير. وعبر أول قطار للركاب جسر القرم قادماً من جانب شبه جزيرة القرم باتجاه كراسنودار، ووجه نائب رئيس جمهورية القرم بالبدء بتفكيك الجزء المنهار من جسر القرم بشكل فوري. وأعلن المكتب الصحفي لهيئة السكك الحديدية في القرم مرور أول قطار مكون من 15 عربة عبر خطوط السكك الحديدية بجسر القرم بنجاح بعد استئناف حركة المرور.

ويمثل الجسر الآن طريق إمداد مهماً للقوات الروسية التي سيطرت على معظم منطقة خيرسون بجنوب أوكرانيا، كما يمثل أهمية لمدينة سيفاستوبول الساحلية التي قال حاكمها لسكان المنطقة "التزموا بالهدوء. لا داعي للذعر". وبحسب التقارير الروسية، فإن قسمين من الجسر انهارا جزئياً، لكن الممر المائي، الذي تنتقل من خلاله السفن بين البحر الأسود وبحر آزوف، لم يتضرر. ولضمان عدم تكرار الهجوم، وقع الرئيس فلاديمير بوتين مرسوماً يقضي بتشديد الإجراءات الأمنية للجسر بجانب مرافق البنية التحتية التي تزود شبه الجزيرة بالكهرباء والغاز الطبيعي. كما أمر بتشكيل لجنة للتحقيق.

غموض
من جهته، قال زيلينسكي في رسالته اليومية بالفيديو في إشارة إلى انفجار الجسر، إن الجو كان مشمساً ودافئاً في الغالب اليوم في أوكرانيا "أما في القرم فكان الجو غائماً، على الرغم من الدفء". ولم يخض زيلينسكي في تفاصيل الحادث. ومع ذلك دعا مرة أخرى الروس إلى الاستسلام والفرار. ورداً على أسئلة حول عرقلة الانفجار لخطوط الإمدادات الروسية، قال نائب حاكم إقليم خيرسون المعين من قبل الروس كيريل ستريموسوف، إن حادث الجسر "لن يؤثر كثيراً على إمدادات الجيش". وأضاف في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، "لكن ستكون هناك مشاكل فيما يتعلق بالخدمات اللوجستية في شبه جزيرة القرم".

وفي رسالة مصورة، قال الحاكم الروسي لشبه جزيرة القرم سيرغي أكسيونوف، إنه يريد "طمأنة سكان القرم بأن جمهورية القرم لديها إمدادات كاملة من الوقود والطعام. لدينا وقود يكفي لما يزيد على شهر وطعام لما يزيد على شهرين". من جهته، قال ميكولا بيليسكوف من المعهد الأوكراني للدراسات الاستراتيجية، والذي يقدم المشورة للرئاسة في كييف، إن الجسر لا غنى عنه لقوات الغزو الروسية. وعلى الرغم من أن القوات الروسية استولت على جزء من الساحل الأوكراني الذي يربط إقليم خيرسون بشبه جزيرة القرم وروسيا، قال بيليسكوف إن ممرات النقل هناك سيئة، وإن روسيا فضلت إرسال التعزيزات إلى خيرسون عبر الطريق الملتوي الذي يشكل الجسر جزءاً منه في شبه جزيرة القرم. وقال الخبير في الشأن الروسي في مؤسسة "تشاتام هاوس" البحثية البريطانية جيمس نيكسي، "واقعياً يمكن للروس إعادة بنائه، لكنهم لن يستطيعوا الدفاع عنه بينما يخسرون الحرب".

"نظرية الإرهاب"
ورغم عدم توجيه روسيا اتهاماً رسمياً إلى أوكرانيا بشن الهجوم، إلا أن العديد من الخبراء والمحللين الروس رجحوا نظرية الإرهاب، ووصف خبير السياسة الخارجية الروسي البارز ليونيد سلوتسكي، الانفجار الذي تسبب في تدمير بعض أجزاء الجسر الرابط بين روسيا وشبه جزيرة القرم بأنه "هجوم إرهابي". وقال سلوتسكي، الذي يشغل منصب رئيس لجنة الشؤون الدولية بمجلس الدوما الروسي، من عاصمة القرم سيمفيروبول أمس السبت، إن "العواقب ستكون حتمية" حال التيقن من أن أوكرانيا هي من خططت للهجوم. وذكر خبير السياسة الخارجية الروسي: "يتعين أن يكون الرد قاسياً، ولن يكون بالضرورة على الجبهة".

وأوضح سلوتسكي، أن العديد من التصريحات التي تنم عن الشماتة وأدلى بها نواب أوكرانيون بارزون تشير إلى أن كييف نظمت الهجوم، بعد أن ذكرت وسائل إعلام أوكرانية أن جهاز الخدمة السرية (إس.بي.يو) هو المسئول عن تنفيذ العملية. وبعد الهجوم، احتفى عدد كبير من المسؤولين والمدنيين في أوكرانيا بالخراب الذي لحق بالجسر، خاصة وأنه أتى تزامناً مع عيد ميلاد الرئيس الروسي الـ70، ونشر رئيس مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف مقطعاً مصوراً للجسر المحترق على مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب مقطع مصور لمارلين مونرو وهي تغني "عيد ميلاد سعيد، سيدي الرئيس".

ومنذ بدء الغزو في 24 فبراير (شباط)، ألمح مسؤولون أوكرانيون مراراً إلى رغبتهم في تدمير الجسر الذي يُنظر إليه في أوكرانيا على أنه رمز للاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم. وقالت خدمة البريد الأوكرانية السبت، إنها ستصدر طابعاً خاصاً لتخليد ذكرى تفجيره. قال ميخايلو بودوليك، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن حقيقة أن الشاحنة كانت تسير في اتجاه شبه الجزيرة من روسيا تؤكد أن الانفجار مدبر من "عملاء روس". وأضاف "بلا شك، نحن نشهد بداية حوادث سلبية واسعة النطاق في روسيا" ملقياً باللوم فيها على نزاعات داخلية في الدائرة المقربة من بوتين.