في خضم حرب الاستقلال البنغلاديشية، عانت باكستان الشرقية، التي تحولت فيما بعد لبنغلاديش، من انهيار واضح لبنيتها التحتية. فحسب تقرير صادر لمجلة تايم (Time) عام 1972، كانت مدن بنغلاديش، بعد أشهر عن اندلاع الحرب، أشبه بمناطق تعرضت لضربة نووية. فضلا عن ذلك، تحدث البنك الدولي عن دمار ما لا يقل عن 6 ملايين منزل وفقدان نحو 1.4 مليون عائلة فلاحين لآلاتها ودوابها التي استخدمتها لخدمة الأراضي. من ناحية أخرى، دمرت الطرقات والجسور بمختلف أرجاء بنغلاديش واتجه رجال الأعمال الباكستانيون للخروج من البلاد منذ بداية النزاع مفضلين العودة نحو باكستان تزامنا مع معاناة البنوك ببنغلاديش من نقص فادح بالأوراق المالية.

أسباب المجاعة
أمام هذه الظروف الصعبة، عانت جمهورية بنغلاديش، التي ظهرت عام 1971 عقب نهاية حرب الاستقلال البنغلاديشية ضد باكستان، من انهيار بجميع القطاعات. ومطلع العام 1974، حذرت الأمم المتحدة من إمكانية تفشي المجاعة بهذه الدولة تزامنا مع ارتفاع سعر الأرز بشكل لافت للانتباه. وفي خضم هذه الأحداث، عانت بنغلاديش حديثة النشأة من تفشي الفساد الإداري والمالي. وبدلا من إيجاد حل للأزمة، استهترت الحكومة البنغلاديشية بالوضع وتحدثت عن ظروف عابرة تمر بها البلاد مؤكدة على إمكانية تعافي الاقتصاد بشكل سريع مع مرور الوقت.

ما بين شهري نيسان/أبريل وتموز/يوليو 1974، شهدت بنغلاديش تساقط كميات هائلة من الأمطار أدت لظهور فيضانات، خاصة بالمناطق المحاذية لنهر براهمابوترا الذي ارتفع منسوبه بشكل سريع، أفسدت المحاصيل الزراعية. وبسبب ذلك، سجلت أسعار الأرز ارتفاعا مذهلا عجّل بتوسع رقعة المجاعة بالبلاد. وبحسب تقارير الأمم المتحدة، تسبت العديد من العوامل في تفشي المجاعة ببنغلاديش عام 1974. فإضافة للفيضانات، عاشت البلاد على وقع نمو ديموغرافي سريع تزامن مع سوء تصرف السلطات البنغلاديشية في توزيع مدخرات الأرز والحبوب. وتزامنا مع تفشي ظاهرة التهريب نحو دول الجوار، شهدت بنغلاديش إرساء قوانين منعت نقل مدخرات الأرز والقمح بين المقاطعات متسببة بذلك في حرمان مناطق عدة، متضررة من المجاعة، من المساعدات الغذائية.

1.5 مليون ضحية
إلى ذلك، أعاقت الولايات المتحدة الأميركية نقل ما يقارب 2.2 مليون طن من المساعدات الغذائية لبنغلاديش بسبب سياسة التصدير التي اعتمدتها الأخيرة. في السنوات الأخيرة، اتجهت بنغلاديش لتصدير كميات هامة من الأرز نحو كوبا التي كانت بقبضة نظام فيدل كاسترو. ومع موافقة، بنغلاديش على وقف صادراتها لكوبا، سمحت الولايات المتحدة الأميركية، بشكل متأخر، بدخول المساعدات لبنغلاديش.

أثناء فترة المجاعة التي استمرت لأواخر العام 1974، تحدثت السلطات البنغلاديشية عن عشرات آلاف الوفيات. وفي المقابل، رفض الخبراء هذه الأرقام مؤكدين على وفاة ما لا يقل عن 1.5 مليون شخص بسبب المجاعة والأمراض، كالكوليرا، التي تسببت بها الفيضانات. أملا في كبح جموح المجاعة، أرست سلطات بنغلاديش نظام الحساء الشعبي، أو مطعم الفقراء، الذي وزعت من خلاله حصصا غذائية يومية على المتضررين. وبناء على تقارير تلك الفترة، تكونت الأطعمة المقدمة للمتضررين من أربعة أونصات من حساء الأرز والدال.