مسلسلات رمضان
بين عامي 1315 و1317.. نقص القمح قتل 7 ملايين أوروبي
08/07/2022

في القرن الرابع عشر، مرت القارة الأوروبية بواحدة من أسوأ فتراتها، حيث حل الطاعون الأسود بها، بداية من العام 1347، قادماً من آسيا لينتشر بسرعة ويتسبب في وفاة ما لا يقل عن ربع سكانها خلال سنوات وجيزة. وقد جاء الطاعون الأسود حينها ليفرغ مناطق بأكملها من السكان تزامنا مع التأخر والتخلف الطبي الذي عاشت على وقعه المنطقة.

فعلى مدار سنوات، عجز أطباء وعلماء تلك الفترة عن فهم سبب انتشار هذا المرض وكيفية علاجه، واتجهوا في المقابل لاعتماد عادات غريبة حاولوا من خلالها إنقاذ المصابين. وقبل الطاعون الأسود، عرفت أوروبا خلال نفس القرن كارثة أخرى. فبداية من العام 1315، شهدت القارة العجوز مجاعة استمرت لسنوات وأسفرت عن سقوط ملايين الضحايا.

بين عامي 1315 و1317.. نقص القمح قتل 7 ملايين أوروبي صورة رقم 1
صورة تعبيرية تجسد فترة الحصاد بأوروبا في القرون الوسطى

الوضع بأوروبا في القرن 14

إلى ذلك، لم تكن المجاعات غريبة عن أوروبا منذ مطلع القرن الرابع عشر. فخلال تلك الفترة، شهدت كل من فرنسا وإنجلترا مجاعات أسفرت عن سقوط عشرات آلاف الضحايا. وعلى حسب السجلات الملكية الإنجليزية، قدّر أمل الحياة عند الولادة عام 1276 بنحو 35.28 سنة، وتراجع ما بين 1301 و1325 بسبب المجاعات ليقدر بحوالي 29.84 سنة، فيما انحدر أكثر منتصف القرن الرابع عشر ليستقر في حدود 17.33 سنة بسبب الطاعون الأسود.

وخلال الفترة القروسطية الدافئة التي سبقت العام 1300، سجلت أوروبا ارتفاعاً ملحوظاً في عدد السكان مقارنة بالقرون السابقة. وبسبب المجاعات والطاعون، انخفض التعداد السكاني بشكل درامي واضطرت بعض المناطق لانتظار القرن الـ19 لتشهد عودة تعداد سكانها للمستويات المسجلة بالقرن الـ13.

بين عامي 1315 و1317.. نقص القمح قتل 7 ملايين أوروبي صورة رقم 2
لوحة تجسد انتشار الجثث بسبب الطاعون الأسود

قرار غريب

وقبل فترة الطاعون الأسود، لعبت مجاعة أوروبا ما بين عامي 1315 و1317 دوراً كبيراً في إفراغ مناطق هامة من السكان. فعام 1315، شهدت القارة الأوروبية تقلبات مناخية، حيث تساقطت كميات كبيرة من الأمطار طيلة فصلي الربيع والصيف سرعان ما أدت لإفساد القمح الذي احتاج للشمس والطقس الحار لينضج ويصبح جاهزاً للحصاد.

فضلاً عن ذلك، أدت نفس هذه الظروف لإفساد العلف المعد للدواب التي نفق كثير منها جوعاً بالفترة التالية. وطيلة العامين التاليين، تواصلت هذه التقلبات المناخية وساهمت في تعكر الوضع أكثر بأوروبا. ووفق السجلات الإنجليزية، تضاعفت أسعار أغلب المواد الغذائية خلال الأشهر الأخيرة من العام 1315، وسجّل سعر الملح، الذي اعتمد لتصبير اللحم، ارتفاعاً كبيراً بسبب ندرته، حيث أدى غياب الطقس الحار والشمس لتراجع كميات الملح بكامل أنحاء البلاد.

بين عامي 1315 و1317.. نقص القمح قتل 7 ملايين أوروبي صورة رقم 3
رسم تخيلي يجسد الملك إدوارد الثاني

من ناحية أخرى، لجأت السلطات الإنجليزية لقرار غريب استخدمت من خلاله احتياطات القمح لإطعام العائلة الملكية والنبلاء وكبار التجار وأفراد الكنيسة ليترك بذلك نحو 90% من الشعب عرضة لخطر المجاعة. ولإبراز حجم النقص الحاد في الغذاء حينها، تذكر السجلات الملكية الإنجليزية حادثة الملك إدوارد الثاني بسانت ألبانز (St Albans). فعند حلوله بهذه المنطقة، جاع الملك ولم يجد أية قطعة خبز بها ليسد رمقه.

وفاة حوالي 7 ملايين

وبفرنسا، وجد 95% أنفسهم عرضة لخطر المجاعة. ومع افتقارهم للمواد الغذائية، لجأ كثيرون لأكل الحيوانات التي استغلوها في وقت سابق لحراثة الحقول ونقل المحاصيل. كما لجأت العديد من العائلات الفرنسية للتخلي عن أبنائها بسبب عدم قدرتها على إطعامهم. وانطلاقاً من ذلك، ظهرت بالقرن 19 قصة الطفلين هانسل وغريتل (Hansel and Gretel) للأخوين غريم.

بين عامي 1315 و1317.. نقص القمح قتل 7 ملايين أوروبي صورة رقم 4
لوحة تجسد قصة الأخوين هانسل وغريتل

وبلغت المجاعة أوجها بأوروبا عام 1317 تزامناً مع انتشار أمراض كالتيفوس والسل والالتهابات الرئوية. وبناء على التقارير والشهادات المسجلة بتلك الفترة، استفحلت المجاعة بشكل كبير بالجزر البريطانية وشمال فرنسا وهولندا وألمانيا ومناطق البلطيق وبولندا والأراضي الإسكندنافية لتتسبب في وفاة حوالي 7 ملايين شخص بالفترة الممتدة بين عامي 1315 و1317.