يزور البابا فرنسيس، في اليوم الثالث من رحلته التاريخية للعراق، مناطق خضعت لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في شمالي البلاد. وكان مسلحون قد اجتاحوا المناطق في عام 2014، ودمروا كنائس تاريخية ونهبوها، وعاد المسيحيون بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2017.
كما يرأس البابا قداسا، من المتوقع أن يحضره نحو 10 آلاف شخص، في ملعب لكرة القدم في مدينة أربيل، وسط مخاوف من انتشار فيروس كورونا. وكان العراق قد سجل ارتفاعا حادا في عدد الإصابات بكوفيد-19 خلال الشهر الماضي، فضلا عن مخاوف أمنية بشأن زيارة البابا، التي تعد واحدة من أخطر رحلاته حتى الآن.
وتعد الرحلة التي تستغرق أربعة أيام، والتي بدأت يوم الجمعة، أول رحلة خارجية للبابا منذ بداية انتشار وباء كورونا قبل أكثر من عام، وأول زيارة بابوية على الإطلاق للبلاد. وأشارت أنباء إلى أن بعض الجماعات الشيعية المتشددة عارضت الزيارة، واعتبرتها بمثابة تدخل غربي في شؤون البلاد.
ويزور البابا يوم الأحد مدينة الموصل، المعقل السابق لتنظيم الدولة الإسلامية قبل ثلاث سنوات، وسوف يصلي في كنيسة الساحة على أرواح الضحايا الذين سقطوا خلال الحرب مع التنظيم المتشدد، والتي أسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من القتلى المدنيين. كما يزور البابا فرنسيس بعد ذلك أكبر كنيسة في العراق، والتي دمر أجزاء منها تنظيم الدولة الإسلامية، في قره قوش القريبة. ونشرت السلطات نحو 10 آلاف فرد من قوات الأمن العراقية لتأمين الزيارة، فضلا عن فرض حظر تجول على مدار الساعة للحد من انتشار فيروس كورونا.
ما هي الرسالة التي يوجهها البابا؟
منذ وصوله إلى بغداد يوم الجمعة، دعا البابا فرنسيس إلى إنهاء العنف والتطرف وقال إن المجتمع المسيحي في العراق يجب أن يكون له دور أبرز كمواطنين يتمتعون بكامل الحقوق والحريات والمسؤوليات. وقال في أول خطاب له في البلاد إن "إن وجود المسيحيين العريق في هذه الأرض وإسهاماتهم في حياة البلد يشكل إرثا غنيا، ويريد أن يكون قادرا على الاستمرار في خدمة الجميع". وردد البابا، يوم السبت، في لقاء رمزي للغاية مع آية الله علي السيستاني في مدينة النجف، هذه الرسالة، قائلا إنه ينبغي أن يكون المسيحيون قادرين على العيش بسلام وأمن مثل سائر العراقيين. وآية الله السيستاني هو زعيم روحي لملايين المسلمين الشيعة وهي الطائفة الدينية الأكبر في العراق.
واستغرق اللقاء بين البابا فرنسيس وآية الله السيستاني 50 دقيقة، تحدثا خلالها بلا كمامات على وجهيهما. ثم زار البابا موقع مدينة أور القديمة، التي يُعتقد أنها مسقط رأس النبي إبراهيم. وقال البابا: "نحن المؤمنون لا يمكن أن نصمت والإرهاب بنتهك حرمة الدين .. علينا ألا نسمح لغيوم الكراهية أن تحجب نور الحق". وعصف بالعراق العنف الديني والطائفي، سواء ضد الأقليات أو بين المسلمين الشيعة والسنة.
عدد المسيحيين في العراق
يعد مسيحيو العراق من أقدم المجتمعات المسيحية في العالم. وقد تراجع تعدادهم في البلاد على مدى العقدين الماضيين من 1.4 مليون إلى 250 ألف، ممثلين نسبة واحد في المئة من الشعب العراقي. ونزح كثير من مسيحيي العراق إلى خارج البلاد هربا من العنف الذي ضربها منذ الغزو الأمريكي عام 2003 والذي أسقط نظام صدام حسين.
ما الذي يجعل زيارة البابا فرنسيس إلى العراق تاريخية؟
وتشرّد عشرات الآلاف من المسيحيين عندما أغار مسلحو تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية على شمالي العراق عام 2014، منزلين الدمار بكنائس تاريخية، ومصادرين ثروات المسيحيين، الذين وجدوا أنفسهم مخيرين بين دفع الجزية، أو التحول إلى الإسلام، أو مغادرة البلاد، أو مواجهة الموت. وخلص تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية بشأن الحرية الدينية في العراق في عام 2019 أن المسيحيين، وكذلك المسلمين السنة، يشتكون من مضايقات عند نقاط التفتيش تمارسها قوات الأمن الشيعية، فضلا عن بعض التمييز في التعليم. ولدى وصوله العراق، أمس الجمعة، قال البابا إن مسيحيي العراق ينبغي أن يضطلعوا بدور أكبر كمواطنين يتمتعون بكافة الحقوق والحريات ويلتزمون بكافة ما على المواطنين من مسؤوليات.
من هم مسيحيو العراق؟
وصلت المسيحية إلى ما يعرف اليوم بالعراق في القرن الأول الميلادي.
وفقا لوزارة الخارجية الأمريكية، يقول رجال دين مسيحيون إن هناك أقل من 250 ألف مسيحي في العراق، ويعيش معظمهم، نحو 200 ألف، في سهل نينوى وإقليم كردستان شمالي البلاد.
يقدر 67 في المئة منهم من الكلدان الكاثوليك، الذين تحتفظ كنيستهم ذات الطقوس الشرقية بطقوس دينية وتقاليد خاصة بها لكنها تعترف بسلطة البابا في روما، بينما ينتمي 20 في المئة إلى كنيسة المشرق الآشورية التي يُعتقد أنها أقدم الكنائس في العراق.
البقية ينتمون إلى السريان الأرثوذكس، والسريان الكاثوليك، والأرمن الكاثوليك، والأرمن الرسوليين، فضلا عن الأنجليكان والإنجيليين والبروتستانت.