يواصل عرب الـ48 وهم الفلسطينيون من عرب الداخل، نضالهم واصرارهم من اجل انتزاع حقوقهم من السلطة الإسرائيلية. هذا ما فعلته "سلوى سالم قبطي"، 71 عاما، من الناصرة، التي قاتلت طيلة أربعين عاماً بعد ان رفض الجيش الإسرائيلي ان يسمح لها بزيارة قبر والدها. وكان والدها قد استشهد قبل ولادتها وهو في عمر 25 عاما، على يد العصابات الصهيونية، وتم دفنه هو وأقاربها الآخرون في مقبرة داخل منطقة صادرتها إسرائيل من عرب الـ48، وأصبحت قاعدة جوية عسكرية.

السيدة سلوى قبطي هي لاجئة من قرية معلول في قضاء الناصرة في الجليل، وقد تم تهجير أهلها في احداث النكبة في عام 1948. وانتقل اهل سلوى ووالدتها وهي حامل بها في شهرها الأخير، بعد ان هجرتهم العصابات الصهيونية الى مدينة الناصرة حيث ولدت سلوى هناك بعد أسبوعين وعاشت في الناصرة. وحين كبرت، اكتشفت ان والدها استشهد على يد العصابات الصهيونية في عام 1948، بعد أن أمطر أفراد هذه العصابة حافلة تقل العمال العرب بالرصاص، وكان والدها على متنها، فاستشهد مع زملاء له وهم في طريقهم إلى العمل. وكان ذلك قبل ولادة سلوى.

وكبرت الصغيرة في الناصرة وبدأت تحاول زيارة قبر والدها، لتفاجئ بأن الجيش الإسرائيلي يمنعها من الزيارة بعد ان صادر المنطقة التي تقع فيها المقبرة المسيحية وباتت جزء من قاعدة عسكرية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. ولم تستسلم سلوى سالم قبطي، وناضلت وقاتلت وقاومت طيلة 40 عاما، لكن للأسف، منعها الجيش من زيارة قبر أخيها وأبيها ومن ممارسة حقها الإنساني، القانوني والدستوري، وذلك بدون وجه حق وبدون الاستناد لدليل قانوني واحد، كما هي عادة الجيش والسلطة الإسرائيلية في التعامل مع العرب المقيمين داخل دولة إسرائيل.. العرب الفلسطينيين/عرب الداخل.

ولكن إصرار سلوى وعزيمتها كان أقوى من أي حواجز بنتها العنصرية والظلم، فهي كانت تعلم انها صاحبة حق.. ولا يمكن ان يموت الحق ما دام هناك من يثابر على المطالبة به. ولم تتزحزح عزيمتها وتوجهت الى مركز "عدالة" وهو مركز حقوقي يقع داخل أراضي 48 ويدافع عن حقوق العرب فيها.

وفعلا قدم مركز عدالة في شهر كانون تاني يناير عام 2019، التماسًا باسم سلوى سالم قبطي للمحكمة العليا، مطالبا بالمساح لها بزيارة قبر والدها واقاربها في المقبرة التي أصبحت منطقة عسكرية مغلقة في بلدة معلول المهجرة.

وفي الأسبوع الماضي، أبلغها مكتب المدعي العام الإسرائيلي، وقبل أسبوع من الموعد المقرر الذي ستناقش فيه محكمة العدل العليا طلب الالتماس الذي تقدمت به سلوى بواسطة مركز عدالة، للسماح لها بزيارة قبر أبيها.

واعلن لها مكتب المدعي العام، بأن جيش الاحتلال سيسمح لها ولعمها صبحي منصور، الذي يبلغ من العمر 93 عاماً، بزيارة المقبرة في قرية معلول القريبة من الناصرة، ولكن سيتعين على سلوى قبطي وعمها منصور بطلب تصريح بالزيارة وذلك قبل 30 يوماً، وعليهما الالتزام بشروط أمنية عديدة، مثل أن الجيش لن يسمح لهما بإحضار أي معدات لتوثيق الزيارة او تسجيلها مثل كاميرات او هواتف وغيرها.

وتقول الفلسطينية سلوى سالم قبطي انها تلقت خبر السماح لها أخيرا بزيارة قبر والدها بمشاعر مختلطة، قائلة أنها انتزعت السماح لها بزيارة القبر بعد معركة قاسية دامت أربعة عقود، وأشارت إلى أنها تجاوزت الآن سن السبعين وأصبحت على كرسي متحرك بعدان تم بتر ساقها. وقالت: "آمل أنني في النهاية سأصل لقبر والدي، الذي لم أره قط". وأكدت بإن زيارة قبر والدها، والذي لم تقابله يوماً ما، "ستكون نهاية فصل عمره 40 عاما!".

وتعقيبا على القرار، قالت المحامية سوسن زاهر، من مركز عدالة والتي قدمت الالتماس: "أخيراً أجبرناهم بعد تقديم الالتماس على التنازل عن موقفهم.. صحيح أن القرار يعتبر جيد بالنسبة لسلوى قبطي والتي ستتمكن أخيراً وبعد 40 عام من زيارة قبر أبيها وأخيها، ولكن هذا السماح الآن لن يعوض سنوات الحرمان والشقاء التي عانتها سلوى طوال هذه المدة".