يصنف قصر التويليري (Tuileries Palace) كواحد من أهم القصور التاريخية بفرنسا حيث حظي الأخير قبل خرابه بمكانة هامة شبيهة بتلك التي تمتعت بها أفخم القصور الملكية الفرنسية كقصر فرساي. فقد بدأت أشغال بناء قصر التويليري في حدود سنة 1564 بأمر من الملكة الفرنسية والوصية على العرش كاثرين دي ميديتشي (Catherine de' Medici) زوجة الملك الفرنسي هنري الثاني (Henry II) حيث أوكلت هذه الملكة المنحدرة من فلورنسا مهمة إنشاء هذا المعلم التاريخي للمهندس المعماري الفرنسي فيليبرت ديلورمي (Philibert Delorme).
لوحة زيتية تجسد احتفالا داخل قصر التويليري في حدود العام 1867
فضلا عن ذلك، اصطفت كاثرين دي ميديتشي موقعا على ضفاف نهر السين وقريب من اللوفر لإنشاء القصر وعلى حسب ما نقلته مصادر فرنسية عديدة تم تشييد هذا المعلم فوق موقع ضمّ سابقا مصنع قرميد (Tuiles) اقتبس منه اسم "التويليري" (Tuileries).
يقدّر طول واجهة التويليري بنحو 266 مترا وقد استغرق العمل على هذا القصر، الذي كان مزيجا بين العديد من الفنون المعمارية كالعمارة الكلاسيكية الجديدة والباروكية الجديدة والفن المعماري الفرنسي لعصر النهضة، بضعة قرون حيث أهمل عقب وفاة الملك هنري الرابع (Henry IV) قبل تجدد الأشغال عليه مرة أخرى أثناء عهد لويس الرابع عشر (Louis XIV).
صورة فوتوغرافية التقطت في حدود العام 1860 لقصر التويليري
وقد أنهى الإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث (Napoleon III) العمل على التويليري في حدود منتصف ستينيات القرن التاسع عشر بعد أن وافق على توسيع رواقه الشمالي وهدم أجزاء من ميدان كاروسيل (Place du Carrousel) لربطه باللوفر.
رسم تخيلي يجسد حريق قصر التويليري سنة 1871
تاريخيا حظي التويليري بمكانة هامة حيث استقر به الملك الفرنسي لويس الخامس عشر (Louis XV) طيلة السبع سنوات الأولى لحكمه وانتقلت إليه الأوبرا سنة 1763 عقب حريق القصر الملكي وأثناء فترة الثورة الفرنسية كان هذا القصر شاهدا على سقوط الملكية وإعلان قيام الجمهورية الأولى. فخلال العام 1789، أجبر الباريسيون الملك لويس السادس عشر (Louis XVI) على مغادرة قصر فرساي والعودة لباريس للسكن بالتويليري في سعي منهم لمنعه من مغادرة البلاد وقد مكث الملك وعائلته بهذا القصر لحدود سنة 1792 قبل أن تجتاحه الجماهير الغاضبة التي أعلنت نهاية الملكية وقيام الجمهورية الأولى.
صورة لأحد الأروقة التي دمرها حريق قصر التويليري سنة 1871
أيضا، اجتمع أعضاء المجلس الوطني الفرنسي سنة 1793 بإحدى قاعات التويليري وسنة 1800 لم يتردد نابليون بونابرت في اعتماده كمقر إقامة. وأثناء عهد الإمبراطورية الثانية، جعل نابليون الثالث التويليري إقامة إمبراطورية رسمية واتخذ منه العديد من القرارات الهامة والحساسة في تاريخ فرنسا.
صورة لجانب من الخراب الذي لحق بقصر التويليري عقب احراقه
خلال فترة كومونة باريس (Paris Commune) والتي تلت هزيمة الإمبراطور نابليون الثالث واستسلامه للجيش البروسي خلال معركة سيدان، عرف قصر التويليري نهاية مأسوية. فما بين يومي 22 و23 أيار/مايو 1871، أقدم عدد من الثوار الباريسيين من أمثال جول هنري ماريوس بيرجيريت (Jules-Henri-Marius Bergeret) وفكتور بينوت (Victor Bénot) وإتيان بودين (Étienne Boudin) على نقل عربات مليئة بالبارود والقار وزيت التربنتين نحو ساحة القصر قبل أن يباشروا بمهمة رش المواد الملتهبة على جدرانه ووضع براميل البارود داخله.
صورة لإحدى التحصينات التي سيطر عليها الجيش الفرنسي خلال قمع ثورة الكومون
لاحقا، عمد هؤلاء الثوار الباريسيون لتفجير التويليري، والذي ظل يحترق ما بين يومي 23 و26 أيار/مايو 1871، متسببين في ضياع ما لا يقل عن 80000 من كتب مكتبة القصر واحتراق جزء كبير من أثاثه. كما امتدت ألسنة اللهب لتلتهم أجزاء بسيطة من البنايات المجاورة وعلى رأسها اللوفر. ومع نهاية هذه الحادثة، تحول التويليري لكومة خراب وقد ظلّ المكان على هذه الحالة إلى حدود مطلع ثمانينيات القرن التاسع عشر حيث فضّلت السلطات الفرنسية هدم ما تبقى من هذا القصر على إعادة ترميمه.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحرق فيها أحد أهم المعالم والمباني والتراث في باريس، فقد اندلع حريق هائل في كاتدرائية نوتردام في باريس، مساء أمس الاثنين، مما أدى لانهيار البرج التاريخي الذي يعتبر المعلم السياحي المميز في العاصمة الفرنسية. اقرأ التفاصيل عن الحريق الذي حصل في الكاتدرائية في موقع مسلسلات برو هنا: باريس: حريق يلتهم كاتدرائية نوتردام وزوج سلمى حايك يتبرع بـ113 مليون يورو
رسم تخيلي لكاثرين دي ميديتشي
رسم تخيلي للمعماري فيليبرت ديلورمي
لوحة زيتية تجسد الملك الفرنسي لويس الخامس عشر
صورة للملك الفرنسي هنري الرابع
صورة للإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث
صورة للملك الفرنسي لويس السادس عشر
صورة للملك الفرنسي لويس الرابع عشر