مسلسلات رمضان
قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين
29/03/2019

هلا هو اسمي، أعمل منذ 5 سنوات في الصحافة، وكانت السنة الأولى من العمل، كافية لأدرك ماذا ينتظرني، أنا لا أتحدث هنا عن التجارب والخبرة المهنية وأساسيات العمل في الصحافة مهنة المتاعب كما يُقال، بل عن خبرة أساسية في "فنون التصدي"، هذه الفنون يدركها العدد الأكبر من الصحافيات لكن الحديث عنها يبقى في الأوساط المغلقة فقط.

بعد السنة الأولى من العمل، بدأت الأمور تتضح لي فبدأت بالتدرب وما زلت على "كيف أتحاشى أو أتصدى للمتحرشين في مراكز القرار". اكتشفت أنني لست الوحيدة التي عانت من التحرش في بداية عملي، فحالتي تشبه معظم حالات الصحفيات في بلادي وإن اختلف أسلوب المتحرش. فلكل زميلة قصة أو قصص وإذا ما أردت مقارنة ما سمعته منهن بما حصل معي أقول ربما كنت محظوظة.

"ما بنكر أنه الموضوع صعب على كل صحافية فصار الوقت انه نقول وبصوت عالي أنا ايضا"

رغم الحرية التي نتمتع بها كنساء في لبنان، إلا أن المرأة اللبنانية لم تتجرأ بعد على إعلاء صوتها وحماية نفسها والدفاع عن حقوقها كما يحصل في دول مختلفة من العالم. والسبب بكلّ بساطة البيئة المحافظة، فالسمعة و"الشرف" هاجس أساسي، هذا طبعا بالإضافة إلى غياب القوانين التي تجرّم التحرش بشكل صريح.

كنت واحدة منهن، لم أجرؤ قبل على تناول هذا الموضوع على الرغم من مرور سنوات عدة عليه، وذلك خوفاً على سمعتي وخصوصاً في مجتمع يلوم المرأة على تعرّضها للتحرش من انتقاد لباسها أو تصرفاتها... أخيراً قررت أن أبدأ من نفسي، أتكلم، أبحث، أحقق وأنشر، فالمشوار يبدأ بخطوة، وقررت أن أكون المبادرة للخطوة الأولى، لوضع حد لهذا التمادي من قبل أصحاب النفوذ، قرّرت إعلاء صوتي فقد تكون هذه البداية وتشجّع أخريات ليقلن "أنا أيضاً"! وقبل سرد قصص زميلات أخريات، سأبدأ من نفسي وأروي قصّتي.

#أنا أيضا على تويتر تفضح التحرش في العالم

مستوزر وعرض بمليون دولار:

كانت من أولى المقابلات التي أجريتها في مسيرة عملي الصحفي، كنت متحمسة وكلّي شغف. كانت مهمتي البحث عن قصص نجاح ومقابلة أصحابها للإضاءة عليهم. أثناء البحث عن هذه الشخصيات، تم تزكية رجل أعمال يقال إنه عاش "قصة كفاح ونضال" ليصبح رجل أعمال معروف وشخصية دبلوماسية ضمن الأوساط العربية. التقيت به، كان من السهل ملاحظة نظراته، شعرت كأن لديه أكثر من عينين، تلتصق واحدة تلوى الاخرى على ملابسي ووجهي، وما ان طلب القهوة من مساعدته، حتى أذن لها بالخروج باكرًا، قبل إنتهاء دوامها. لم يترك لي مجالاً لطرح الأسئلة فعند كل سؤال كان يطلب مني أن أوقف التسجيل للحظات ويقوم "بنفخ" سيجاره الضخم بتعالي قائلا "عيونك كثير حلوين".

تمالكت نفسي محاولة أن أنهي المقابلة بأقل وقت ممكن متحجّجة بموعد آخر، لكنه لم يتأثّر، استمر في نظراته الوقحة وإيقافي عن السؤال حتى نطق بـ"عرضه السخي" قائلاً: "الك عرض مغري" ومكملاً: "أريد منك أن تكتبي عني كتاباً ولكني لا أحب الكلمات فيمكن أن يكون مليئاً بالصور، مقابل مليون دولار ولكن بشرط تخصيص ساعة كاملة لي شخصياً. أي نوع من الصور بالطبع لم أسأله حينها، لم يكن ببالي سوى السبيل إلى الهروب من مكتبه ولكن يتردد في ذهني اليوم، ماذا يعني كتابا مليئا بالصور؟!.

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 1

تركت المكتب مباشرة بعد "عرضه المريض" كانت عبارة عن دقائق ولكن حينها كانت بمثابة ساعات بالنسبة إليّ بالتأكيد وقررت فيما بعد ألا تنشر المقابلة، وقررت بعد سنوات أن أنشر ما أحاط بالمقابلة، سيعرف هو نفسه دون أن أذكر الاسم، لكن سأعطي لمحة مختصرة كافية عنه: يمكن وصفه بمشروع وزير أي "مستوزر" وهذا المصطلح الشائع الذي يطلق على من ينتظر التوزير مع كل تشكيل حكومة جديدة. أما كيف أصفه أنا؟ "متحرش مستوزر بمليون"!.

" طبيعي أو سيليكون"

س.غ: بداية مشوارها الصحافي كانت تجربة سيئة ومرعبة كما تصفها. تروي الحكاية وتقول إنّه أثناء تقديمها لوظيفة في إذاعة لبنانية تبث باللغة الاجنبية، وأثناء انتظارها لمقابلة المدير، تبرع أحد الموظفين ليخبرها أن في المؤسسة قاعدة أساسية،" المدير لا يوظّف أي أنثى إلا إذا أرضت رغباته النوعية"، سمعت الكلام واعتبرت أنّه يُبالغ في الأمر ولاسيّما انها قابلت المدير سابقًا ولم تتعرّض لأي تحرش.

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 2

الأمر لم يتوقف هنا، فبعد فترة من مباشرتها العمل في الإذاعة، كان لديها إجتماع مع أحد أصحاب المؤسسة للتداول بكيفية تطوير عمل الإذاعة، وما إن جلست على الأريكة حتى بدأ يتقرب منها، تجاهلت الموضوع منعًا للحرج، سألها المدير إن كانت مثلية النوع، لأنها لا تتفاعل معه، فردت: "بركي إنت Gay".

تقول س.غ: "كل ما كان يدور في رأسي إعادة الحديث إلى سياق العمل لكن دون جدوى. وفجأة، بلا مقدمات يمسك بصدري". تتوقف ثم تكمل: "I’ve always been so loud، ليه ما ضربتو كف ما بعرف! لان بهيدي اللحظة ما كنت مستوعبة شو صار، اذا كان حقيقة او لا". سألته: "شو عم تعمل"؟ قال لها: "لا ما شي عم شوف إذا طبيعيات بس".

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 3

حاولت س.غ. مغادرة المكتب ولكنّ صاحب المؤسسة لم يتوقف عن التحرش فالتقط مؤخرتها بيده، فما كان منها إلا أن انفجرت غضباً: " عندك سيناريو من تلاتة، الأول: اضربك على وجك وما تشوف صورة وجي بحياتك وبكون خسرت شغلي، التاني: بضهر بخبر الكل شو صار حتى لو بدي اخسر شغلي، ثالثاً: تلم حالك مش كرمالي وكرمالك كرمال مثل ما انت عندك بنتين من عمري والدي كمان عندو بنات وما فيك تتصور شو في يعمل بس يعرف". وغادرت المكتب.

تلخّص الزميلة س.غ. تجربتها بالقاسية، "فعندما خرجت من المكتب، انهرت من شدة البكاء والحزن أمام الجميع وقد تكون هذه ردة فعل طبيعية ولكن ما زلت لا أفهم إلى هذه اللحظة "لماذا لا نقوم بضربهم فور حصول الأمر ونكون في حالة جمود تامة".

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 4

"مقابلة عاري"

عند سؤالنا للصحفية ع.غ وهي تعمل في الصحافة منذ عشر سنوات، عما إذا واجهت أي نوع من أنواع التحرش خلال عملها، بدأت بالضحك بشكل هستيري وهي تتذكر المرة الأولى التي تقدمت بها للحصول على وظيفة بعد تخرجها وكانت في مجلة في بيروت "لم تعد موجودة الآن"، تقول: "الموضوع مضحك جداً، رغم أنني حينها لم أعرف توصيف ما حصل معي ولكن لا شك أن الصدمة التي مررت بها، شكّلت لي قاعدة متينة للدفاع عن نفسي". وفي التفاصيل، قابلها صاحب المجلة بشكل طبيعي وطلب منها موعداً آخراً للإتفاق على باقي التفاصيل وإبرام العقد.

في الإجتماع الثاني، قررت اصطحاب زميلها عسى أن يجد وظيفة له في المجلة أيضاً، وفور دخولهما للمكتب وجدت المدير جالساً خلف مكتبه وهو "عار"!. تقول: "يمكن كان لابس بوكسر". وتصف الوضع كالتالي: "كان الموقف محرجاً جداً له ولنا خاصة انه لم يتوقع أن يأتي زميلي معي، ولكنّه كان وقحاً لدرجة أنه برر الأمر بأن الطقس حار وتابع الإجتماع عارياً". تكمل: "بوقتا كنت صغيرة ويمكن ما فهمت شو صار وما اعتبرته تحرش لحتى فسرلي رفيقي، ما اشتغلت معن وما بعرف اصلاً إذا كانت عنجد مجلة او مؤسسة وهمية".

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 5

المدير المهووس: العمل في محطة لبنانية يتطلّب "اللمس"

تقدمت إحدى الصحافيات د.خ للعمل لدى محطة لبنانية معروفة جداً، ولكن فور مقابلتها صاحب المؤسسة الذي تصفه جميع الصحافيات اللواتي تحدثنا معهن بـ"المهووس " طلب منها على حسب قولها أن "تهديه نفسها"، ارتبكت الصحافية وكان جوابها الأول الرفض الحاسم، وعندما حاولت الخروج من الغرفة أمسكها من ذراعها وشدّها نحوه ليمنعها من الخروج ثمّ وضع يدها داخل بنطاله، فإنتزعتها بقوة وهربت مباشرة. هذه الحادثة شكّلت صدمة لها وبسببها تنحت عن العمل في هذا المجال إلى أن سنحت لها الفرصة ان تمارس عملها الصحافي من المنزل.

بوسة vs كفّ!

تتمنّى هذه الإعلامية (ن.س) لو كانت تملك دليلاً لتفضح من خلاله بحسب وصفها مريض "الجنون النوعي" - تجدر الإشارة إلى أنه الشخص نفسه الذي ذُكر في الحالة السابقة- فبحسب قولها :"هو لا يمهّد حتى للأمر، ولا يترك مجالاً للانسحاب، "مجرد وصولي الى مكتبه، باشر صاحب المحطة الوقور بخلع ملابسه، واقترب مني ليقبّلني، فما كان مني إلا أن صفعته على وجهه مما أثار استغرابه!". وتضحك "لا اعلم لماذا الاستغراب، ماذا كان يتوقع؟"، وفي هذه اللحظة بعد صفعه، تراجع وبدأ يتأمل ماذا حصل؟ فخرجت مسرعة من مكتبه. هذه الإعلامية تخلّت عن حلمها في الظهور على الشاشة ولا تندم على هذا الأمر، إلا أنها نادمة لأنها لا تملك أي دليل مصوّر يخوّلها من فضح أمره وذلك ما يمنعها من ذكر اسمه علناً".

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 6

"جينزي المخزق شتّت عيون الوزير"

عندما اتّجهت الصحافية ج.م للحصول على مقابلة من أحد الوزراء لم تكن تعلم أنها تخوض "عرض أزياء" فنظراً لآنية الموضوع كانت الصحافية ترتدي كما ترتدي كل الفتيات بشكل يومي "جينز" (مخزّق) مما شتت تركيز الوزير الذي لم يكتف بالنظرات "المستفزة" على حسب قولها، بل بدأ "يسمّع حكي" على زيّها، وتقول: "كأن سلطته تسمح له بتقييم ملابسي".

لم تسلم هذه الصحافية من تحرّش نائب أيضًا، ففي حادثة أخرى تخطّت وقاحة النائب الحدود ليحسب نفسه طفلا يُسمح له فعل ما يرغب به من دون محاسبة. تصف الصحافية ما حصل معها قائلة: "كان النائب يقف ورائي وفجأة وضع يديه على كتفيّ وشدني للوراء بطريقة عنيفة لم تبد بريئة أبداً، لم يكن هنالك وقت حتى لأفكّر أو أدرك ما الذي يحصل ولحسن حظي كان حان الوقت لأظهر مباشرة على الهواء".

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 7

"اشتريته لأمنعه من التحرش بي": التحرش وفن المفاوضة

طُلب من صحافية متدربة في قناة تلفزيونية لبنانية تغطية حدث مهم خارج البلاد لتتمكن عبره من إعداد وثائقي والحصول على "فرصة عمرها" حسب وصفها، لم تدم فرحتها بحصولها على هذه الفرصة طويلًا، فبعدها بدقائق إستدعاها رئيس التحرير إلى مكتبه ليصارحها بأنها لن تحصل على هذه الفرصة إن "لم تدفع الثمن المرجو". بعد حالة من الإحباط قررت الصحافية أن تفاوضه فقالت حرفياً: "أدفع الثمن يلي بدك ياه بس مش يلي براسك" وبعد جلسة مطوّلة، عرضت عليه إعطاءه أكثر من نصف راتبها شرط أن تستلم مهمة تغطية الحدث وإعداد الوثائقي، وافق على عرضها وحصلت على هذه الفرصة التي استغلتها لإثبات جدارتها وكان هذا التقرير السبب في انتقالها إلى مؤسسة آخرى لتصبح اليوم من أفضل الصحافيات في لبنان. تتذّكر الآن هذه الحادثة وتقول: "تضحية عن تضحية بتفرق المهم ثبتت حالي بالشغل".

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 8

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 9

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 10

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 11

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 12

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 13

قصص صحافيات ضد متوحشين ومتحرشين صورة رقم 14